تجنب الخطأ
الخطأ ملازم لبني آدم، والخطايا عموماً مُطَوَّقةٌ في رقابهم.
والله -عز وجل- يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم) رواه مسلم.
والرسول-صلى الله عليه وسلم- يقول: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم.
والخطأ، والذنب مُقَدَّرٌ على العباد، ولازمٌ لهم، وذلك بمقتضى طبيعتهم البشرية، وبمقتضى قدر الله الكوني، وحكمته البالغة في تقدير الأشياء.
وليس الحديث ههنا عن الذنوبِ، والمعاصي، ولا عن حكمة تقديرها، ولا وجوبِ التوبة منها، ولا عن التحذير من مغبتها.
وإنما هو حديث عن التعامل مع الخطأ الذي يصدر من بعض الناس إما عن اجتهاد، أو هوىً، أو نحو ذلك.
وسواء كان الخطأ من نوع ظلم النفس القاصر، أو هو من العدوان المتعدي إلى الآخرين.
فالذي يلاحظ أن التعاملَ مع الخطأ والمخطئ يختلف باختلاف العقول؛ فالعقول الصغيرة تُكَبِّر الخطأَ، وتُعَمِّمُه، وتَزْهَدُ بصاحبه، وتُزهِّد به.
وربما أخطأ شخص من بلد، أو أسرة، أو قبيلة فصار ذلك سُبَّةً لجميع مَنْ يتعلق بهم ذلك المخطئ.
وربما كان لذلك الخطأ أَلْفُ مسوغ ومسوغ، وقد يكون الذين يتعلقون بذلك المخطئ من قرابته، وأصدقائه أو أتباعه غيرَ مؤيدين له، بل قد يكونون معارضين له.
ومع ذلك فلا يقبل أيُّ عذر لأولئك من قبل بعض الناس؛ فهذا صنيع العقول الصغيرة التي تُعَمِّمُ، ولا تعذر.
أما العقول الكبيرة فإنها لا تعمم الخطأ، بل تَحْصُرُه بصاحبه، وتحاول إيجادَ المخارج له دون أن تَحْشُرَ غيرَ صاحبِ الخطأ في زمرة المخطئ سواء كانوا من أهله، أو من بلده، أو من هم على شاكلته؛ فذلك هو المسلك الأَمَمُ الراشد.
يقول - عز وجل- : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة) ويقول : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ويقول الله - تعالى- : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً)
ثم إن العقول كلما كَبُرَتْ، وزادت علماً زادت رحمة وحلماً؛ فلا تكتفي بأن تحصر الخطأ في صاحبه، بل ترتقي إلى درجة أنها لا تحصر صاحب الخطأ في خطئه، بل تجعل ذلك الخطأَ في دائرةٍ ضيقةٍ دون زهدٍ بصاحبه، أو جَحدٍ لفضله.
والذي يدير النظرَ في حياة الناس يجد خللاً في هذه الناحية؛ حيث يطغى الهوى أحياناً، فيغيب صوت العقل، والحكمة، والمنطق، فيقع الظلمُ، ويَسُودُ التعميمُ في الحكم.
لذلك كانت محاصرةُ الخطأ، وَوَضْعُهُ في إطاره الصحيح دون وكس ولا شطط - أمارةَ عقلٍ، ودليلَ إنصاف.
وعكسُ ذلك علامةُ حُمْق، ودلالة ظلم.
والحقيقة - كما قيل- تضيع بين التهوين والتهويل.
وهذا مما يؤكد لنا أهميةَ العدلِ، وضرورةَ التعاملِ مع الخطأ بحكمة وعقل.
وإن من أعظم ما يُجلِّي هذا المعنى غايةَ الجلاءِ ما جاء في السيرة النبوية الشريفة من آثار في هذا القبيل، ولعل أجلاها ما يكون في شأن الحدود التي أقيمت على بعضِ مَنْ صَدَرَ منهم ما يوجبها، كما جاء في قصة ماعز بن مالك, حيث جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال:(يا رسول الله! طهرني، فقال: ويحك! ارجع فاستغفر الله، وتب إليه).
قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (ويحك ارجع فاستغفر الله، وتب إليه) قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال النبي" مِثْلَ ذلك، حتى إذا كانت الرابعةُ، قال له رسول الله رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (فيما أُطهِّرك؟) فقال: من الزنى، فسأل رسول الله رسول الله- صلى الله عليه وسلم-(أَبِهِ جنونٌ؟) فَأُخْبِرَ أنه ليس بمجنون، فقال: (أشَرِبَ خمراً؟) فقام رجل فاسْتَنْكَهَهُ، فلم يجد منه رِيْحَ خَمْرٍ، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (أزنيت) فقال: نعم، فَأَمَرَ به، فَرُجِمَ، فكان الناس فيه فرقتين، قائل يقول: لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبةٌ أفضلَ من توبة ماعز؛ إنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسولُ الله " وهم جلوسٌ، فسلم، ثم جلس، فقال: (استغفروا لماعز بن مالك) قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم)رواه مسلم.
فانظر إلى ذلك العدل؛ حيث حصل التَّثَبُّتُ، وترديدُ ماعز، ولما ثبت عليه الحدُّ لم يكن ذلك ذريعة إلى الوقيعة فيه، أو تعييره وقومِه به، بل صار ذلك الاعترافُ، وتلك التوبةُ من جملةِ مناقبِ ماعزٍ- رضى الله عنه-.
الخطأ ملازم لبني آدم، والخطايا عموماً مُطَوَّقةٌ في رقابهم.
والله -عز وجل- يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم) رواه مسلم.
والرسول-صلى الله عليه وسلم- يقول: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم.
والخطأ، والذنب مُقَدَّرٌ على العباد، ولازمٌ لهم، وذلك بمقتضى طبيعتهم البشرية، وبمقتضى قدر الله الكوني، وحكمته البالغة في تقدير الأشياء.
وليس الحديث ههنا عن الذنوبِ، والمعاصي، ولا عن حكمة تقديرها، ولا وجوبِ التوبة منها، ولا عن التحذير من مغبتها.
وإنما هو حديث عن التعامل مع الخطأ الذي يصدر من بعض الناس إما عن اجتهاد، أو هوىً، أو نحو ذلك.
وسواء كان الخطأ من نوع ظلم النفس القاصر، أو هو من العدوان المتعدي إلى الآخرين.
فالذي يلاحظ أن التعاملَ مع الخطأ والمخطئ يختلف باختلاف العقول؛ فالعقول الصغيرة تُكَبِّر الخطأَ، وتُعَمِّمُه، وتَزْهَدُ بصاحبه، وتُزهِّد به.
وربما أخطأ شخص من بلد، أو أسرة، أو قبيلة فصار ذلك سُبَّةً لجميع مَنْ يتعلق بهم ذلك المخطئ.
وربما كان لذلك الخطأ أَلْفُ مسوغ ومسوغ، وقد يكون الذين يتعلقون بذلك المخطئ من قرابته، وأصدقائه أو أتباعه غيرَ مؤيدين له، بل قد يكونون معارضين له.
ومع ذلك فلا يقبل أيُّ عذر لأولئك من قبل بعض الناس؛ فهذا صنيع العقول الصغيرة التي تُعَمِّمُ، ولا تعذر.
أما العقول الكبيرة فإنها لا تعمم الخطأ، بل تَحْصُرُه بصاحبه، وتحاول إيجادَ المخارج له دون أن تَحْشُرَ غيرَ صاحبِ الخطأ في زمرة المخطئ سواء كانوا من أهله، أو من بلده، أو من هم على شاكلته؛ فذلك هو المسلك الأَمَمُ الراشد.
يقول - عز وجل- : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة) ويقول : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ويقول الله - تعالى- : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً)
ثم إن العقول كلما كَبُرَتْ، وزادت علماً زادت رحمة وحلماً؛ فلا تكتفي بأن تحصر الخطأ في صاحبه، بل ترتقي إلى درجة أنها لا تحصر صاحب الخطأ في خطئه، بل تجعل ذلك الخطأَ في دائرةٍ ضيقةٍ دون زهدٍ بصاحبه، أو جَحدٍ لفضله.
والذي يدير النظرَ في حياة الناس يجد خللاً في هذه الناحية؛ حيث يطغى الهوى أحياناً، فيغيب صوت العقل، والحكمة، والمنطق، فيقع الظلمُ، ويَسُودُ التعميمُ في الحكم.
لذلك كانت محاصرةُ الخطأ، وَوَضْعُهُ في إطاره الصحيح دون وكس ولا شطط - أمارةَ عقلٍ، ودليلَ إنصاف.
وعكسُ ذلك علامةُ حُمْق، ودلالة ظلم.
والحقيقة - كما قيل- تضيع بين التهوين والتهويل.
وهذا مما يؤكد لنا أهميةَ العدلِ، وضرورةَ التعاملِ مع الخطأ بحكمة وعقل.
وإن من أعظم ما يُجلِّي هذا المعنى غايةَ الجلاءِ ما جاء في السيرة النبوية الشريفة من آثار في هذا القبيل، ولعل أجلاها ما يكون في شأن الحدود التي أقيمت على بعضِ مَنْ صَدَرَ منهم ما يوجبها، كما جاء في قصة ماعز بن مالك, حيث جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال:(يا رسول الله! طهرني، فقال: ويحك! ارجع فاستغفر الله، وتب إليه).
قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (ويحك ارجع فاستغفر الله، وتب إليه) قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال النبي" مِثْلَ ذلك، حتى إذا كانت الرابعةُ، قال له رسول الله رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (فيما أُطهِّرك؟) فقال: من الزنى، فسأل رسول الله رسول الله- صلى الله عليه وسلم-(أَبِهِ جنونٌ؟) فَأُخْبِرَ أنه ليس بمجنون، فقال: (أشَرِبَ خمراً؟) فقام رجل فاسْتَنْكَهَهُ، فلم يجد منه رِيْحَ خَمْرٍ، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (أزنيت) فقال: نعم، فَأَمَرَ به، فَرُجِمَ، فكان الناس فيه فرقتين، قائل يقول: لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبةٌ أفضلَ من توبة ماعز؛ إنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسولُ الله " وهم جلوسٌ، فسلم، ثم جلس، فقال: (استغفروا لماعز بن مالك) قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم)رواه مسلم.
فانظر إلى ذلك العدل؛ حيث حصل التَّثَبُّتُ، وترديدُ ماعز، ولما ثبت عليه الحدُّ لم يكن ذلك ذريعة إلى الوقيعة فيه، أو تعييره وقومِه به، بل صار ذلك الاعترافُ، وتلك التوبةُ من جملةِ مناقبِ ماعزٍ- رضى الله عنه-.