توقفت عن الكتابة فى الفترة الماضية ليس بإرادتى، ولكن شيئا ما كان يضغط على بشدة فيصيبنى بيأس كبير، شأنى مثل شأن الكثير من المصريين، إحباط مما يجرى حولنا، زادت حالة الارتباك وزادت معها التساؤلات، بات من الصعب أن تجد أحدا يملك تصورا واضح المعالم لما هو قادم فى مستقبل هذا البلد، أو أن السيناريوهات المطروحة تحمل من السواد أكثر بكثير من روح التفاؤل، ولكن الذى حركنى هو نص مسرحى عزيز على عقلى وقلبى، نص يحمل أبعادا فلسفية، ويدور ما بين الواقع والخيال، ولأنه من أوائل النصوص التى دارسناها بالمعهد العالى للسينما وجدتنى أفتش عنه وهو «6 شخصيات تبحث عن مؤلف» للكاتب الرائع لويجى بيرانديللو، الذى ولد فى «1867 - 1936م».
وهو النص المسرحى، الذى تدور أحداثه حول مخرج يستعد لتقديم مسرحيته، وهى مسرحية بلا فصول ولا مناظر، يتوقف فيها التمثيل مرتين.. المرة الأولى لا يسدل فيها الستار، وذلك عندما يغادر المخرج ومهندس الديكور خشبة المسرح ليكتبا السيناريو.. وكذلك يغادر الممثلون.. والمرة الثانية يسدل فيها الستار خطأ عندما يسهو الكهربائى «عامل الستار» فينزل الستار.
عندما يدخل المتفرجون قاعة المسرح.. يكون الستار مرفوعا والمسرح نفسه كما هو طوال اليوم.. فليست هناك ديكورات.. وهو خال وفى شبه ظلام، وذلك كى يشعر المتفرجون من البداية أنهم يشاهدون مسرحية لم يتم إعدادها بعد. إلا أن هناك 6 شخصيات حقيقية تجد المسرح أمامها، فيصعدون إلى خشبة المسرح لعرض مأساتهم، ولرغبتهم فى أن يصدقهم الجمهور ويتماهى معهم مؤلف النص وهو مشهد عبثى يدور ما بين أبطال المسرحية، التى من المفترض أن تقدم، وما بين تلك الشخصيات الست والتى تبحث عن الخلاص، وهم الأب والأم والابن والابنة وشابان ذهب كل منهما يقدم نفسه وأحلامه وما يرغب فى تحقيقه ويستعرض رؤيته للآخر، أمام الجمهور، وأخذت تلك الشخصيات تصول وتجول على خشبة المسرح فى محاولة لكسب التعاطف من الناحية، ومن ناحية أخرى التطهر والبحث عما ينقذه من الواقع المرير الذى تحيا فيه، إنها شخصيات حقيقية ذهبت لتبحث عن مؤلف يقدم مأساتها على المسرح، وبالطبع يجد مؤلف النص نفسه عاجزا عن مجاراة واقع هذه الشخصيات وواقع شخصياته التى صاغها من خياله، خصوصا مع تشابك الأحداث وتداخلها، ولم يجد المؤلف بدا من طرد كل هذه الشخصيات جميعها من خياله، عندما عجز عن صياغة نص يكون راضيا عنه تمام الرضا فذهبوا يرتجلون على المسرح كل منهم يبرئ نفسه، ويتشفى فى الآخر حتى ولو على حساب إدانته، وكل منهم يزعم فى أنه يملك الحقيقة المطلقة وهو الشخص الذى يستطيع أن يضع الآخرين على الطريق الأمثل، وما بين الحقيقة كما هى وكما ينبغى أن تكون وما بين الخيال الذى يتوهمه كل من الشخصيات الستة، والواقع تتوه الحقائق ويزدادون فرقة وخلافا، أعتقد أن هذا النص المسرحى الذى صاغه المبدع «بيراندللو» وعرض لأول مرة فى روما عام 1921 وانقسم حولها الجمهور ما بين مؤيد لها ومعارض بشدة، إلا أننا لو تأملنا هذا النص فسنجد وكأنه يتحدث عن الواقع الذى تعيشه مصر حاليا وانقسام الجميع، فهناك من يحلم بالحرية وهناك من يستغل ذلك الحلم وهناك أصحاب المصالح التى تلتقى عادة على حساب أرواح الشهداء والحالمين، لذلك فمصر حاليا تبحث عن مؤلف، مؤلف يعمل فقط بقلبه وعقله بعيدا عن مصالحه الشخصية فهل تجد مصر مؤلفها أقصد مخلصها.