تفسير سورة القدر
الحمد لله الذي له مقاليد السموات والأرض وبيده النفع والضر وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر إن أسررنا فهويعلم السر وإن جهرنا فهو يعلم الجهر وإن استرزقنا فهو يبسط الرزق وإن استنصرنا فهو ينزل النصر أرسل إلينا رسولا جبر منا كل كسر وأغنى منا كل فقر وأنزل علينا كتابا شرح منا به كل صدر ورفع به منا كل قدر شرع لنا فيه حج البيت الحرام وصيام شهر الصبر فسبحان من خص من شاء من خلقه بما شاء من فضله لا يعارض معارض في حكمه ولا يسأله سائل عن فعله جميع العالمين بتسخيره مذللون ولتقديره مسخرون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون كيف السبيل إلى سعادة من حكم القضاء بأنه يشقى من كانت الأقدار تهبطه هيهات يطمع أنه يرقى كيف البقاء وقد جرى قلم في اللوح أن الخلق لا يبقى كل الذي سبق القضاء به حتم الوقوع وكائن حقا فاصبر لحكم الله وارض به ما قد قضى لا بد أن يلقى باب تبارك الذي جرت بالسوابق أقلامه ومضت في الخلائق أحكامه وأوضح طريق الخير والشر أمره ونهيه وحلاله وحرامه أحمده حمدا يتصل به أحنانه ويتم به إنعامه وأشكره شكرا يفوق دوام السموات والأرض روامه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لو باشرت القلب انجلى واستنار ظلامه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أكمل الله ببعثه دين الإسلام وأتم بشرعه معالم الحلال والحرام فاستمر للدين كماله واستقر من الشرع تمامه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة باقية ببقاء الدهر وبعدما تفنى لياليه وأيامه خصوصا على خليفته الإمام أبي بكر الصديق الذي رجح موازين الأمة ميزانه وسبق إسلامهم إسلامه وعلى فاروقه الإمام عمر بن الخطاب الذي ما زالت أيام الإسلام به زاهرة وشرائع الدين ظاهرة إلى أن فجعنا به حمامه وعلى ذي النورين عثمان بن عفان الذي كتب القرآن وأرسله إلى أمصار الإسلام فلا تصح الصلاة إلا بما احتوى عليه إمامه وعلى أبي السبطين الإمام علي بن ابي طالب الذي افحم القائلين كلامه وهزم الضالين إقدامه وعلى سائر الآل والأصحاب ومن اتبعهم بإحسان على منهاج السنة والكتاب حتى لا يبقى احدمن حزب الله إلى يوم المآب إلا تغمده من العزيز الوهاب صلاته وتشريفه وإكرامه اللهم واهد الثواب ما نتلوه من كتابك العزيز إلى أمواتنا وأموات المسلمين اللهم نور بالقرآن ظلماتهم وضاعف بثواب القرآن حسناتهم وارحمنا فيما بقي من اعمارنا وإذا صرنا إلى ما صاروا إليه أكرم لنا نزلنا يوم القدوم عليك يا اكرم من تقدم الوفود عليه افعل اللهم ما سألناك من الخير بنا وبسائر المسلمين واحشرنا وإياهم في زمرة الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا برحمتك يا أرحم الراحمين هذا مجلس عقدته قدرة العزيز الرحيم لله علينا باجتماعنا فيه خيرا كثيرا وفضل عظيم لأنه مجلس عقد لذكر الله وذكر الآية لم يحضره إن شاء الله إلا من هو ولي الله أو محب لأوليائه فاجعلوا شكر نعمة الله عليكم فما يهديه من الهدى في هذا المجلس إليكم أن تحضروا بالقلوب كما انتم بالأبدان حاضرون وتكونوا عاملين بما أنتم له سامعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون تفسير سورة القدر نستنزل رحمة الجليل بتفسير شيء من التنزيل أعوذ بالله من الشيطان الرجيمبسم الله الرحمن الرحيمإنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا ثم كان الله ينزله على رسوله نجوما بعضه في إثر بعض فذلك قوله فلا أقسم بمواقع النجوم وقيل بل كان في كل سنة يستنسخ من اللوح المحفوظ في ليلة القدر ما تحتاج إليه الأمة في تلك السنة فيكتبه السفرة في هذه الليلة كما قال تعالى فيها يفرق كل امر حكيم وإنما سميت هذه الليلة ليلة القدر لأن الله تعالى يقدر فيها امر السنة إلى السنة الأخرى أحكام بلاده وعباده وكذلك عظم الله اجرها بقوله وما أدراك ما ليلة القدر تعجيبا لنبيه صلى الله عليه وسلم من جلال قدرها ثم نبه على شرفها وفضلها فقال ليلة القدر خير من ألف شهر قال مجاهد قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر ثم قال تعالى تنزل الملائكة والروح فيهاالروح هو جبريل عليه السلام يهبط جبريل والملائكة إلى أرض القدر بإذن ربهم أي بأمره ينزلون كما قال تعالى عن الملائكة وما نتنزل إلا بأمر ربك قوله من كل أمر أي ينزلون بكل أمر من الخير والبركة لصوم شهر رمضان وفي قوله سلام هيأمران أحدهما انها ليلة سليمة من كل آفة وعاهة وبلاء وفتنة حتى مطلع الفجر أي إلى مطلع فجرها الثاني ان الملائكة إذا مروا بمؤمن أو مؤمنة في الصلاة سلموا عليه من ربه يقولون سلام عليك يا مؤمن تصيب كذا وكذا من الخير يخبرونه بما سيلقى في سنته حتى يقولواله وأنت متزوج فلانة ولا يسلمون على مدمن خمر ولا ساحر ولا كاهن ولا مصر على الزنا فطوبى لعبد وفق لموجبات الرحمة ورزق عزائم الغفران واستمرعلى فعل الخير إلى حين الخاتمة ومفارقة الشيطان اليوم سوق الآخرة كاسر وسوق الاخرة كاسد وسوق الدنيا في نفاق فلهذا عمل الدنيا علينا سهل وعمل الآخر شاق فإذا تجلى من امر الآخرة ما هو اليوم مستور عن الخلائق تمنيا أن أيام الحياة كانت كلها صياما وقياما وودنا لم يعط من الدنيا إلا ما كان لا بد أن يكون قواما فاستهينوا اليوم بركوب الأهوال في الحصول على الوصول إلى إحراز الوصال قبل أن يفرط الأمر ويزجر البحر ويخرب القصر ويعمر القبر ويكاد المقام أن يكون على جمرة وحسرة أحر من الجمرة ويسكر سكر ندامة لا سكر خمرة لهف عمري على انقضاء العمر في ذنوب أنقض الوزر ظهري استهل الشهر الشريف فيمضي من حياتي وما انتفعت بشهري أيها الحائز الوصال هنيا أنا ما ذقت غير طعم الهجر ما مرادي إلا وصال حبيبي ليلة الوصل منه ليلة قدر من سفيري إليه في كشف ضري من شفيعي إليه في جبر كسري لذذ السمع يا سميري بذكر اسم حبيبي فذكره روح سري قل وخذ مهجتي جزاك مني بسم الله يجلو هموم قلبي قاسمه راحتي وروحي وأنسي في حياتي وفي مماتي ونشري اسم الحبيب الأول اسم من ليس غيره يعول كل ما نحن فيه من بعض ما *** ما سلا عن حبه إلا حبه إلا من قد استحوذ الشيطان على قلبه يا من عليه في الخطوب معول وبه إليه تشفعي وتوسلي عذلوا عليك وفي الفؤاد صبار يلهى المسامع عن كلام العذل قالوا هواة قاتل فأجبتهم لا رأي لي في الحب إن لم أقتل يا من يحب سوى الجواد لمحسن البر الرحيم المنعم المتفضل فقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول أما القلوب فموقوفة عليه وأما الأرواح فمرتاحة إليه وأوصلوا الصوم عما سواه لتحرزوا منه الوصال ولا ترى ليلة ألا ليلة الإنتقال لا يزال ولي الله من صومه عما ألهى عن الله موثقا في القيود فإذا مات استهل هلال العيد واستطلع طالع السعود ما العبد عندي سوى وصال لوفيتي روعة الصدود إن نلت ممن أحب وصلا فذلك اليوم يوم عيدي الصائمون ثلاثة والمعيدون ثلاثة صائم عن المفطرات المتناولة للبطون والفروج ومعيد إذا أذن شهر صيامه بالخروج وصائم عن المحرمات المحظورة في الكتاب والسنة ومعيد إن زحزح عن النار وأدخل الجنة وصائم عن كل ما ألهاه عن مولاه ومعيد إذا قدم عليه تلقاه برضاه وتجلا له حتى يراه فصم هذا اليوم بهذه النية فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نواه صمت دهري عن كل شيء سواكم وجعلت التعييد يوم أراكم ليس سؤلي سوى رضاكم فمنوا يا احبتي برضاكم لا نعيم إلا نعيم هواكم كما لا عذاب إلا عذاب قلاكم أنا مستشفع إليكم بذلي وخضوعي لعزكم وغلاكم بكم وقد حلفت لا زلت في السير مجدا حتى أحل حماكم ولو أني أطعت أغمضت عيني عن جميع الوجود حتى تراكم إن أنل وصلكم بالفضل منكم أو أمت في هواكم فداكم من كان في الله مماته كان بالله حياته ومن كان في الله هلاكه كان الله نجاته فوجهوا الوجوه إليه واذبحوا النفوس عليه ولا تؤملوا راحة دون لقائه ولا تمدوا أيديكم إلى غير عطائه فكل من لا يجبره الله فهو كسير وكل من لا يغنيه الله فهو فقير لا تنال الفضل إلا من جود من كل الورى من فضل جوده سائل إلى نداه فقير كم له من عتقاء صاروامن ملوك الآخرة بعدما كان في قبضة السعير السيد أسير يا فقر من لم يحصل على الغنى فضله ذاك الذي مات عطشان وهو وسط غدير اطلبوا حياة القلوب من موت الذنوب واحيوا ما بقي من لياليكم في خدمة علام الغيوب واغتنموا عمرا باقيه لا يبقى وماضيه لا يؤوب يا من قد شاب وهو بالذنوب مشوب يا غيبة احتوت على كل غيوب بادر فالشمس قد تدلت للغروب والعمر كالثلج كلما جاءت يذوب غرس الله كرامة أوليائه ثم ختم عليها فلا أذن سمعت بها ولا عين نظرت إليها فإذا كان يوم الجزاء فضت تلك الختوم وظهر السر المكتوم فندم أهل التقصير حين لا ينفع الندم ونادى منادي الكرم سيعلم اهل الجمع اليوم من أولى بالكرم إنهم المتقون وما أدراك ما هم هم الذين تركوا في مرضاة الله مشتهاهم وخالفوافي موافقة الحق هواهم فلو قيل لهم تمنوا لكان القرب مناهم ولو قيل لهم ترقوا لكان إلى الحضرة مرتقاهم أولئك الذين أنعم الله عليهم وأرضاهم لأنه لم يفقدهم حيث أمرهم ولم يرهم حيث نهاهم جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم وبلغنا مناهم