كتب - جمال عبدالناصر
لا أحد يعرف حتى الآن لماذا كانت نهايات أغلب نجوم الكوميديا الذين أضحكونا وظلوا طوال حياتهم يبحثون عن الكوميديا من خلال كلمة أو نكتة يمكن أن ترسم الابتسامة على الشفاه، كانت نهاياتهم جميعا مأساوية، فقد ظلوا يضحكوننا طوال حياتهم لكنهم عند وداعهم وفراقهم الأبدى أبكونا بقصصهم المأساوية ونهاياتهم الصادمة أحيانا، والتى تنتهى غاليا بالمرض والفقر والألم ونكران الجميل والوحدة والخيانة، فنجيب الريحانى وقع فريسة لمرض التيفوئيد ثم توفى قائلا: «أضحكت الدنيا وقلبى يبكى»، وإسماعيل ياسين مات مفلسا وقال لابنه قبل وفاته: «بدأت حياتى وأنا نفسى فى حتة لحمة أو فرخة وستنتهى حياتى برضه وأنا نفسى فيها»، وعبدالفتاح القصرى مات وحيدا بعد أن فقد بصره حينما نصبت عليه فتاة جميلة وخانته وأخذت كل ثروته، أما الفنان حسن فايق صاحب الضحكة الشهيرة فقد أصيب بالشلل، وغيرهم الكثيرين من نجوم البسمة.. تعالوا نتعرف أكثر على نهاياتهم المأساوية لعلها تكون عظة وموعظة لنجوم الكوميديا الجدد.
نهاية الفنان الكبير نجيب الريحانى كانت فى الأسبوع الأول من يونيو عام 1949، فقد تدهورت صحته بشكل ينذر بالخطر، مما اضطره لإنهاء عروض مسرحية بالإسكندرية ودخل المستشفى اليونانى بالعباسية مصابا بالتيفوئيد تلتها نزلة شعبية حادة، وقيل وقتها إن شفاء نجيب الريحانى مرهون بدواء لا يوجد إلا فى الولايات المتحدة الأمريكية وبذلت جهود جبارة حتى تم الحصول على هذا الدواء وقبل أن يتناوله الريحانى حذره مدير المستشفى اليونانى بأن هذا الدواء يمثل خطرا على حياته، ولكن كان الريحانى يتشبث بأى أمل للشفاء فلم يستمع لنصيحة الطبيب فأخذ الدواء ليتوفى مباشرة إثر جلطة قلبية نتيجة تناوله لهذا الدواء.
الفنان الكبير عبدالفتاح القصرى الذى أسس مدرسة خاصة به فى فن الكوميديا رحل عن عالمنا بعد قصة مأساوية بطلتها فتاة شابة جميلة استطاعت أن تنسج شباكها حول القصرى حتى وقع فى غرامها وكتب لها كل ثروته ليكتشف بعد ذلك أنه راح ضحية خدعة محكمة، وحينما كان يؤدى دوره فى إحدى المسرحيات مع إسماعيل ياسين فإذا به يصاب بالعمى المفاجئ فيصرخ قائلا: لا أستطيع الرؤية.. واعتقد الجمهور أن هذا الأمر ضمن أحداث المسرحية فزاد الضحك وزادت المأساة، بينما أدرك إسماعيل ياسين حقيقة ما أصاب صديقه عبدالفتاح القصرى فسحبه إلى كواليس المسرح، ومع نكبة العمى جاءته نكبة أخرى بتنكر زوجته الشابة له وتركته حبيس غرفة حقيرة يعانى من الظلمة والقهر والمرض، ينام على البلاط العارى لا يفصله عنه سوى ملاءة قذرة فأصيب بتصلب فى الشرايين أثر على مخه مما أدى إلى إصابته بفقدان الذاكرة والهذيان المستمر حتى لقى ربه فى صباح الأحد الثامن من مارس عام 1964، ولم يحضر جنازته سوى أربعة أفراد شيعوه إلى مثواه الأخير.
الفنان الكبير إسماعيل ياسين لم يكن أسعد حظا من رفيقه عبدالفتاح القصرى، فقد تعرض للعديد من المآسى بداية من إفلاسه وسفره إلى لبنان فقيرا وحيدا وحتى رحيله فجأة بعد أن فتك به مرض النقرس، والوحيدة التى كانت تلاحقه وتسأل عنه فى مرضه كانت مصلحة الضرائب التى تذكرته فجأة فى مرضه وقبل رحيله مفلسا، فقد طالبته بمتأخرات أرباحه عن كل أعوامه السابقة وحجزت على عمارته فانهار كل ما بناه إسماعيل ياسين وتخلى عنه أصدقاؤه المقربون من المنتجين الذين جنوا من وراء ضحكاته أموالا طائلة فعاد إلى المونولوجات فى الملاهى الليلية لكسب العيش حتى توفى فى مايو من عام 1972 وبالفعل رحل أبو ضحكة جنان بروحه المرحة وهو يضحك.
كما عانى الفنان الشهير بربرى مصر الأول على الكسار فى أخريات أيامه من انتكاسة فنية جعلته يقوم بأدوار ثانوية بعد أن كان النجم الأوحد الذى أضحك الملايين وقبل أدوارا لا تناسب قيمته الفنية، أما النجمة الكبيرة زينات صدقى فقد عاشت قبل وفاتها بخمسة عشر عاما سجينة الوحدة بعد أن أغلقت على نفسها بابها حينما ابتعد عنها أصدقاؤها من الوسط الفنى وتجاهلها المنتجون والمخرجون مما اضطرها لبيع أثاث شقتها قطعة قطعة لتشترى طعامها حتى لا تسأل الناس.
ولم تكن نهاية حسن فايق بأحسن حالا مما سبق، فأصيب فى نهاية عمره بالشلل واستمر هكذا حتى وفاته لولا الرئيس أنور السادات الذى خصص له معاشا استثنائيا ينفق منه.
جاءت قصة وفاة الفنان إستيفان روستى ابن البارون النمساوى مثيرة كأفلامه، فبينما كان المعروف عن روستى أنه محتفظ بحيويته رغم تقدمه فى السن وبعد زواجه من فنانة إيطالية وإنجابه لطفل وهو فى الـ55 من عمره توفى الطفل فحزن عليه إستيفان حزنا شديدا وفى مساء الثانى عشر من مايو 1964 وصل كعادته إلى مقهى «سفنكس» بوسط القاهرة، وبدأ فى ممارسة الطاولة لعبته المفضلة، ولكنه لم يستطع إكمال اللعب، إذ فوجئ بألم مفاجئ نقل على أثره إلى أحد الأطباء الذى اكتشف أنه قد أصيب بانسداد فى صمامات القلب، وبعد ساعة واحدة أسلم إستيفان روستى الروح لبارئها ولم يكن فى بيته سوى سبعة جنيهات، وفى صباح اليوم التالى لوفاته اكتشفت أسرته سرقة سيارته، وبعد أسبوع آخر أصيبت زوجته بالجنون حزنا عليه. وبعيدا عن مصر التى أحبها عبدالسلام النابلسى وبعد أن غادرها إلى بيروت هربا من الضرائب اشتكى النابلسى من آلاما رهيبة فى معدته جعلته يضرب عن الطعام تماما، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فى الخامس من يوليو 1968 حيث كان مريضا بالقلب منذ عشرة أعوام قبل وفاته وتعمد إخفاء هذه الحقيقة حتى لا يعزف المخرجون والمنتجون عن الاستعانة به فى أفلامهم وتكفل فريد الأطرش بنفقات الجنازة لأنه مات مفلسا.