"إني أتنبأ بأن الناس سيقبلون على دين محمد في أوروبا في المستقبل، وقد بدأ يلقى القبول في أوروبا اليوم " جورج برنارد شو.
إن ما تنبأ به هذا الأديب الأوروبي أصبح حقيقة واقعة اليوم، فالدين الإسلامي هو في المرتبة الثانية من حيث أعداد معتنقيه في أوروبا، وهو أسرع الأديان انتشاراً في العالم، أما لماذا؟
فالإجابة على هذا السؤال ستكون بطريقين: إحداهما نظرية؛ نستطلع فيها خصائص هذا الدين الإسلامي العظيم الذي أقبلت عليه البشرية اليوم. والطريق الأخرى: واقعية عملية؛ نستنطق فيها قصص رجالات مشهورين في العالم، في شتى المعارف والعلوم، رجال في السياسة، والفكر، والاجتماع، والاقتصاد، فيخبرونا فيها عن أسباب إسلامهم؛ وعن أثر الدين الإسلامي في حياتهم، ومبلغ سعادتهم باعتناقه.
أولاً: خصائص الدين الإسلامي:
الخاصة الأولى: البساطة والمنطقية والقابلية للتطبيق:
فالإسلام دين لا أساطير فيه، وتعاليمه بسيطة وواضحة مفهومة، فهو لا يقرُّ الخرافة ولا المعتقدات التي تنافي العقول السليمة؛ والإيمان بوحدانية الله، وبرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- من ربه، وبالحياة الآخرة هي المبادئ الرئيسية في العقيدة الإسلامية، وكلها قائمة على أساس من الفكر السليم والمنطق الرصين.
وجميع تعاليم الإسلام ترتكز على هذه الأسس الأولية وجميعها بسيطة وقويمة.
وليس في الإسلام سلطة كهنوتية تحتكر الدين، ولا أفكار مجردة يصعب تصديقها، ولا طقوس دينية معقدة. بل يستطيع كل إنسان أن يقرأ كتاب الله (القرآن ) ثم يصوغ حياته عملياً طبقاً لهذا الكتاب.
والإسلام يحثّ الإنسان على التفكر وتدبر الأمور، وعلى البحث عن الحقيقة والسعي إلى المعرفة؛ ويأمر الله الإنسان أن يسأل ربه المزيد من العلم {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا }
[طه: 114].
ويقرر القرآن الكريم أنه بالعلم استحق الإنسان الأفضلية على الملائكة. واستحق الخلافة في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّتحيا أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُون َ} [البقرة: 30-33].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ) رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان والأرناؤوط. ويقول: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
وهكذا يُخرج الإسلام الناس من عالم الخرافات ومن ظلمات الجهل، ويأخذ بيدهم إلى دنيا العلم والنور، وهو في ذلك دين عملي لا ينحصر في نظريات فارغة عقيمة، بل يقرر أن الإيمان ليس مجرد معتقدات يؤمن بها الإنسان، إنما على الإنسان أن يجعله ينبوع حياته الواقعية فتسري روحه في كل ما يؤديه من عمل كما يسري الماء في خلايا الكائنات الحية، ذلك أن الإيمان بالله يستتبع تنفيذ أوامره، فليس الدين مجرد كلمات ترددها الأفواه في ذكر الله والثناء عليه، بل هو حياة الإنسان كلها، وفي هذا يقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }
[الرعد: 29].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه ) رواه النسائي، وقال الألباني: حسن صحيح.
ولهذا نقول إن الإسلام دين البساطة، والعقل، والواقعية.
الخاصة الثانية: وحدة المادة والروح:
من الخصائص الفريدة للإسلام أنه لا يفصل بين المادة والروح، بل ينظر إلى الحياة على أنها وحدة تشملهما معاً، فلا يحول بين الإنسان ومقتضيات الحياة، بل يتولى تنظيم هذه المقتضيات؛ لا يقر الحرمان ولا يطلب تجنُّب الحياة المادية، بل يرسم الطريق إلى رفعة الجانب الروحي من خلال تقوى الله في النواحي المختلفة من حياة البشر، لا من خلال إنكار المطالب الدنيوية، ويحكي عن عباد الله الصالحين: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا تحياسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [البقرة: 201-202].
كما ينعى على أولئك الذين لا ينعمون بواسع فضل الله وما خلق من متاع طيب فيقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِتحيا نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون َ} [الأعراف: 32].
ولكنه في الوقت ذاته يطلب إليهم أن يكونوا في ذلك أمَّةً وسطاً: {يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف: 31].
وفي الحديث النبوي: (إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حقٍ حقه ) رواه البخاري.
فالإسلام على ذلك لا يقر الفصل بين المادية والروحانية في حياة الإنسان، ولكن يؤلف بينهما حتى يتسنى للإنسان أن يمارس الحياة بكل طاقاته على أسس صحيحة سليمة، ويعلمه أن الجانبين المادي والروحي متلازمان متلاصقان، وأن تنقية الروح من الشوائب أمر ميسور إذا استخدمت المادة لصالح الإنسانية، ولا يتم ذلك بالتقشف والزهد وقهر الغرائز الحيوية.
وكم قاست البشرية نتيجة سيطرة جانب واحد من الجانبين الروحي والمادي في كثير من الأديان والمذاهب، فبعضها بالغ في تغليب عالم الروح وتجاهل الناحية الدنيوية ونظر إليها على أنها وهْمُ وخيال خدّاع وشَرَكٌ يجب الفرار منه، وبعضها بالغ في تغليب عالم المادة وتجاهل الجانب الروحي واصفاً إياه بأنه مجرد وهم مصطنع وتلفيق خيالي، ولم تجن البشرية من هذا الاتجاه أو ذاك إلا التعاسة والشقاء، بعد فقدان عوامل الأمن والرضى والاستقرار؛ وحتى في أيامنا هذه فإنه ما زال التوازن بين الجانبين مفقوداً.
يقول العالم الفرنسي الدكتور دي بروجبي Dr. De Brogbi إن الخطر الكامن في المدنية المادية البحتة يمكن تلخيصه في أنه موجه إلى هذه المدنية نفسها. هذا الخطر هو الاختلال وعدم التوازن المتوقع حدوثه إذا لم تجد الحياة الروحية لها طريقاً إلى جانب المدنية المادية لتعيد إلى الحياة الإنسانية توازنها الذي تفتقر إليه .
لقد اعتمدت المسيحية على أحد الجانبين وأخطأت المدنية الحديثة في الجانب الآخر.
والإسلام يهدف إلى إيجاد توازن بين هذين الوجهين في الحياة، المادي والروحي. إنه يقرر أن كل ما في هذا العالم مسخَّر للإنسان، ولكن الإنسان نفسه عبد الله، وأن رسالته في الحياة هي أن ينفذ مشيئة الله، والإسلام فيه مدد روحي للإنسان، كما أن فيه إرواء لحاجاته الدنيوية، ويدفع به دائماً إلى تنقية الروح، كما يدفعه في نفس الوقت إلى تقويم وتنظيم حياته الدنيا ليقيم الحق ويهجر الظلم، ويسلك سبيل الفضيلة ويتجنب الرجس والرذيلة.
وبذلك؛ فإن الطريق التي رسمها الإسلام هي الطريق الوسط المثلى.
الخاصة الثالثة: الإسلام نظام كامل للحياة:
ليس الإسلام ديناً يحصر فعاليته في نطاق الحياة الفردية للإنسان كما هي الصورة المشوهة عنه في أذهان الكثيرين؛ بل هو نظام كامل للحياة البشرية في مختلف ميادينها يرسم الطريق لكل جوانبها، سواء في ذلك حياة الفرد أو الجماعة، وفي جانبيها المادي والروحي، وفي مجالاتها الاقتصادية والسياسية والتشريعية والثقافية والإقليمية والعالمية.
والقرآن يحض الناس على الدخول في الإسلام دون أدنى قيد أو شرط إلا أن يقيموا أمر الله في جميع نواحي حياتهم.
ولكن الناس انحرفوا عن سواء السبيل، وما كان أشقاهم وأتعسهم حين اختاروا لأنفسهم أن يحصروا هذا النظام الشامل، فلم يأخذوا به إلا في نطاق الحياة الخاصة للفرد متجاهلين الحكمة الإلهية والنور الرباني فيما أعطاهم من تعاليم تنظم مجتمعهم وثقافتهم.
وما نعتقد أن هناك عاملاً آخر أهم من هذا في أسباب الانحلال الديني في العصر الحديث، حيث عاد الناس القهقرى بدينهم وحصروه في هذا الحيز الضيق في الحياة الخاصة.
والإسلام ينفي بتاتاً مثل هذا التصور والاعتقاد، ويؤكد بوضوح أنه يهدف إلى تنقية الروح وإعادة بناء المجتمع على أساس قويم. يقول الحق سبحانه:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز ٌ} [الحديد: 25].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راع ومسئول عن رعيه ) متفق عليه.
وما أظن أحداً بحاجة إلى دراسة عميقة لتعاليم الإسلام ليدرك أنه دين شامل ينتظم جميع مجالات الحياة الإنسانية، ولا يدع أي ناحية فيها لتتسرب إليها قوى الشر الشيطانية.
الخاصة الرابعة: الموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة:
وهناك ظاهرة أخرى فريدة في دين الإسلام أنه يوجد تناسق بين حياة الفرد وحياة الجماعة، فهو يؤكد وجود الكيان الشخصي للفرد ويعتبر كل إنسان مسئولاً ومحاسباً أمام الله، ويضمن للفرد الحقوق الأساسية، ولا يبيح مطلقاً لأي كائن أن يعبث بها أو أن ينتقص منها، ثم هو يحافظ على كرامة الفرد وشخصيته، ويجعل ذلك في المقام الأول من تعاليمه التربوية. ولا يؤيد مبدأ ضياع الكيان الفردي في نطاق كيان الجماعة أو الدولة.
يقول الله جل وعلا: {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى } [النجم: 38-41].
ويقول : {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا تحياسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } [البقرة: 286].
هذا في جانب حياة الفرد، أما فيما يتعلق بحياة الجماعة فالإسلام يغرسُ في النفس البشرية شعورها بمسئولية الجماعة ويربط بين الناس في نطاق الجماعة والدولة، ويأمر كل فرد بمراعاة الصالح العام المشترك.
فالصلاة في الإسلام تقام في جماعات وفي هذا ما يغرس الشعور بالنظام الجماعي في نفس الفرد الواحد.
والزكاة فرض على من يملك نصابها، قال تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [الذاريات: 19]. وهي حق للجماعة طبعاً.
والجهاد فرض، وفي هذا ما يوجب على الفرد -إذا جد الجد - أن يبذل حتى روحه دفاعاً عن الإسلام والدولة الإسلامية، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع وهو مسئول عن رعيته.. ) متفق عليه.
ويقول: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ).
ويقول: (المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ) رواه ابن ماجه. وصحح إسناده في الزوائد، وحسنه السيوطي.
وخلاصة القول: إن الإسلام يقرر الحقوق الفردية كما يقرر حقوق الجماعة، ويقيم نوعاً من التناسق والتوازن بين كل منهما، ويحددُ الحدود الدقيقة المناسبة لهما.
الخاصة الخامسة : عالمية وإنسانية:
الإسلام رسالة من الله إلى الجنس البشري بأسره ويقرر الإسلام أن الله سبحانه وتعالى هو رب العالمين: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى الناس كافة، ويؤكد القرآن ذلك في قوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَتحيالِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون َ} [الأعراف: 158].
وفي قوله: {تَبَارَتحيا الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان: 1].
وفي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاتحيا إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين َ} [الأنبياء: 107].
والإسلام يقرر أن الناس سواسية، مهما اختلفت ألوانهم وألسنتهم وأجناسهم ومواطنهم، وهو توجيه من الله إلى الضمير الإنساني، وينكر كل فارق من جنس أو طبقة أو مال.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هذه الفوارق كانت وما تزال قائمة حتى في عصرنا هذا الذي يدَّعون أنه عصر النور والحضارة، ولكن الإسلام ينكر قيامها وبقاءها، ويقرر أن البشر جميعاً أسرة واحدة ربُّها الله، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى ) رواه أحمد، وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
فالإسلام دين عالمي في نظرته للأمور وعلاجه لها، ولا يجيز مطلقاً قيام الحواجز والمميزات التي نشأت في عهود الجاهلية؛ إنه دين يهدف إلى جمع البشر كافة تحت راية واحدة، وهو بلا شك بالنسبة لهذا العالم الذي مزقته الأحقاد والتنافس بين أممه المختلفة، رسالة الحياة والأمل في مستقبل عظيم مزدهر.
الخاصة السادسة: الثبات والتطور:
لقد كان القاضي كاردوزا Mr.Justice Cardoza على حق عندما قرر "أن أقصى ما يحتاج إليه وقتنا الحاضر هو فلسفة وسط بين الدعاوى المتصارعة ما بين الجمود والثبات وبين التطور والتقدم، لتمد العالم بمبدأ يؤمِّن نموه ".
والإسلام يقدم للعالم هذه الفلسفة الكفيلة بالتوازن بين الثبات والتطور معاً.
وفي الواقع إن المتأمل الدارس للحياة يجد أنها ليست جموداً بحتاً لا يقبل التطور؛ ولا تغيراً شاملاً بمعنى كلمة التغير.
فالأمور الرئيسة في الحياة تبقى على حالها ثابتة، مهما طالت بها الآماد أو اختلفت بها الأجواء، إلا أن طرق معالجة هذه الأمور ووسائل إيجاد الحلول لما يطرأ من مشاكل هي التي تتأثر وتتغير مع مرور الزمان.
والإسلام كفيل بتنظيم حالتي الثبات والتطور، فالقرآن الكريم والسنة المطهرة فيهما الهداية الثابتة الخالدة، وذلك من فضل الله رب العالمين.
هذه التعاليم الهادية هي من عند الله الذي لا يحده عز وجل زمان أو مكان وهي بذلك، سواء ما تعلق منها بالفرد أو بالجماعة، متناسقة تماماً مع خواص الطبيعة التي خلقها الله رب العالمين.. وهي بذلك أيضاً أزلية باقية، غير أن الخالق -جل شأنه - رسم لنا المبادئ والأصول، وترك للإنسان الحرية في كيفية تطبيقها في العصور المختلفة، بما يتفق مع الروح والظروف القائمة في كل منها. فكان "الاجتهاد " هو السبيل التي يترسمها رجال كل عصر لتطبيق هذه الهداية الربانية لمواجهة مشاكل الحياة في زمانهم. فتعاليم الهداية الأساسية ثابتة لا تتغير، أما وسائل تطبيقها فيمكن أن تتغير طبقاً لاحتياجات الحياة في كل عصر من العصور، وفي هذا ما يفسر لنا السر في بقاء تعاليم الإسلام ناضرة مع تجدد اليوم والغد.
الخاصة السابعة: تعاليم الإسلام سجل لا يتطرق إليها التحريف:
وأخيراً هناك الحقيقة المهمة الثابتة، تلك أن تعاليم الإسلام في القرآن الكريم باقية على أصولها ونصوصها كما أنزلها الله رب العالمين، يجد الناس فيها الهدى كما أراده الله، دون تحريف أو تبديل في قليل أو كثير، فالقرآن كما أنزله الله قد بقي بين ظهرانينا قرابة أربعة عشر قرناً، ولا زالت كلمات الله هي هي على هيئتها التي أنزلت عليها.
وحياة رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- مروية بتفاصيلها، وتعاليمه باقية على أصولها، سجّلها التاريخ في دقة لم يعتريها أدنى تحريف، وهي قائمة بين أيدينا؛ ولقد تواترت أحاديثه وسيرته صلى الله عليه وسلم عبر القرون بمنتهى الدقة وصدق التحري والأمانة، وهذه حقيقة واضحة جلية يقرها حتى الناقدون من غير المسلمين.
يقول البروفسور رينولد أ. Prof. Reynaold A. Nicholso في كتابه (التاريخ الأدبي للعرب - ص: 143 ).
"القرآن وثيقة إلهية رائعة توضح بدقة سر تصرفات محمد في جميع أحداث حياته، حتى إننا لنجد فيه مادة فريدة لا تقبل الشك أو الجدال، نستطيع من خلالها أن نتتبّع سير الإسلام منذ نشأته وظهوره في تاريخه المبكر، وهذا ما لا تجد له مثيلاً في البوذية أو المسيحية أو أي من الأديان القديمة ".
هذه بعض الملامح الفريدة في الإسلام، وهي تؤكد وتبرهن أنه الدين الأكمل للإنسان، وأن المستقبل لهذا الدين.
وقد بهرت طبيعة هذا الدين مئات الألوف من البشر في الماضي وفي الحاضر فآمنوا بأنه دين الحق وأنه الطريق المستقيم الذي يجب أن تسلكه البشرية، وسيظل محتفظاً بكل خواصه ما بقي الزمان.
وكل من أوتي قلباً سليماً وحنيناً إلى الحق سيقول دائماً ويردد: "أشهد أنه لا معبود إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد