الخلافات الزوجية ( الأسباب –الحلول ) دكتور / بدر عبد الحميد هميسه :(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (21) سورة الروم. m الحمْدُ لله في الأُوْلى والآخِرَة، الحَمْدُ لله الَّذِي لا يَنْسَى منْ ذَكرَهُ، والحَمْدُ لله الَّذِي لا يَخِيْبُ منْ دَعَاهُ، ولا يَقْطَعُ رَجَاءَ منْ رَجَاهُ. الحمْدُ لله عدَدَ ما خَلَق، الحمْدُ لله مِلْء ما خَلَق، الحمْدُ لله عَدد ما فِي السَّمَواتِ وما فِي الأَرْضِ، الحمْدُ لله عَدد ما أحْصَى كِتـَابُهُ , والصلاة والسلام على نجم أنبيائه وأحبابه , محمد بن عبد الله , وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه . وبعد ... ، فإن صلاح الأسرة هو الطريق الأمثل إلى صلاح المجتمع ، بل إلى صلاح الأمة كلها . وهيهات أن يصلح مجتمع وَهَنتْ فيه حبال الأسرة ، فالأسرة المؤمنة تربى الأجيال، وتخرج القادة والمصلحين, وتكون سبباً من أهم أسباب الرقي الإنساني . ولقد امتنَّ اللّه سبحانه وتعالى بهذه النعمة؛ نعمة اجتماع الأسرة وتآلفها وترابطها . فقال عز من قائل: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)(سورة: النحل : الآية: 72) إن الزوجين وما بينهما من وطيد العلاقة يمثلّان حاضر أمة ومستقبلها، ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فَكِّ روابط أسرة فهو لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يحدث شرا محدودًا، وإنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مُسْتعر وشرٍّ مستطير. ولا يقوم بناء السعادةِ الزوجية إلا على ركنين أساسيين: أحدُهما:جلبُ أسباب المودة، واستدامتُها. والثاني: دفعُ أسباب الخلاف، ورفعُها. وجلب أسباب المودة والسعادة لها سُبل كثيرة منها : 1ـ الاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين. 2- المودة والرحمة بين الزوجين . 3- الصراحة والوضوح بين الزوجين. 4-معرفة كل من الزوجين ما له وما عليه. 5- الاشتغال بعظائم الأمور والترفع عن سفاسفها. 6- الاحتكام إلى شرع الله عند الخلاف. 7- تلبية رغبات أحدهما للآخر على قدر المستطاع. 8- الحوارالهادئ والبناء. 9- التشاور فيما يخصهما من أمور. 10- طاعة الزوجة لزوجها وحسنمعاشرة الزوج لزوجته. 11- قوامةالرجل وحنان المرأة. وأما دفعُ أسباب الخلاف، ورفعُها. فإنه يحتاج ابتداء إلى معرفة أسباب الخلاف , ثم إلى البدء في وضع الحلول المناسبة لكل سبب . وأسباب الخلافات الزوجية كثيرة ومتشعبة فمنها ما يرجع إلى البيئة والتنشئة الأولى , والاختلاف في نمط الشخصية , والخلل في أسلوب التعامل .ومنها ما يرجع إلى التدخلات الخارجية من بعض الأهل أو الأصدقاء أو الجيران .ومنها ما يرجع إلى الضغوط الاجتماعية والمادية من يسر وإقتار , وإسراف وإمساك. وهذا البحث يتناول أسباب الخلافات والمشاكل الزوجية والحلول التي وضعها الإسلام لهذه الخلافات . وقد حصرت هذه الخلافات في اثني عشر مبحثا : الأول : عدم تحديد الهدف من الزواج . الثاني : سوء الاختيار وانعدام الكفاءة . الثالث : عدم وجود آلية للتفاهم بين الزوجين. الرابع : الكذب والخيانة . الخامس : التدخلات الخارجية . السادس : نشر أسرار الحياة الزوجية. السابع : البخل وعدم الإنفاق. الثامن : الغيرة القاتلة . التاسع : مشكلة الإنجاب. العاشر : عدم العدل بين الزوجات . الحادي عشر : الصراع في تربية الأبناء . الثاني عشر : الإهمال في العلاقة الجنسية . فكل مبحث من هذه المباحث يتحدث عن سبب من أسباب الخلاف الذي يمكن أن يحدث بين الزوجين , وقد تكون هناك أسباب أخرى تركتها للاختصار وعدم التطويل , فاقتصرت على البارز والمهم منها . والله اسأل أن يجنبنا الزلل في القول والعمل . يتبع
شًمًوٌخٌ أًنِسَأِنِ vp
عدد المساهمات : 983
سجل فى : 01/08/2012
01.08.12 13:27
المبحث الأول: عدم تحديدالهدف من الزواج هناك كثير من الشباب المُقبل على الزواج إذا سألته عن الهدف والغاية المرجوّه من الزواج فإنك قد لا تجد لديه إجابة واضحة عن سؤالك , أو قد تجده يفهم الزواج فهما خاطئا أو قاصرا. - فمنهم من يرى أن الزواج متعة وشهوة جسدية فحسب. - ومنهم من يرى أنه سبيل للإنجاب والتفاخر بكثرة الأولاد. - ومنهم من يرى أنه فرصة للسيطرة والقيادة وبسط النفوذ. - ومنهم من يرى أنه فرصة لإعفاف النفس وتكثير سواد المؤمنين. - ومنهم من يرى أنه عادة توارثها الأبناء عن الآباء. وقليل منهم من يرى أنه رسالة ومسئولية عظمى، وتعاون مستمر، وتضحية دائمة في سبيل إسعاد البشرية وتوجيهها إلى الطريق السليم. : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات : 13) و: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الروم : 21) فالزواج في الإسلام له حِكَمٌ وفوائد عديدة منها ما يلي: (1) أنه أعظم رباط إنساني يجمع بين شخصين:ولهذا سماه القرآن الكريم ميثاقاً غليظاً، :(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً)(سورة النساء: 21) والإسلام يعتبر الزواج شِرعة دينية وسنة اجتماعية وسنة كونية . (2) أنه سكن وأمان:قال الله تعالى:(وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (سورة : الأعراف:189) (3) تكثير نسل الأمة:عن معقل بن يسار أن النبي قال :" تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم "(سنن أبي داوود وسنن النسائي) (4) فيه غض للبصر وإحصان للفرج:عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي قال:" يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه غض للبصر و حصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "(متفق عليه ) (5) امتثال أمر الله تعالى ورسوله في الحث على النكاح :لقوله تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)(الرعد: 38) وقال:(وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)(النور: 32 ) وقال ـ عزّ وجل : (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) (النساء: 3 ) ولقول النبي :" من استطاع منكم الباءة فليتزوج " ((متفق عليه)) . (6) المرأة الصالحة خير متاع الدنيا :عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي قال :"الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة "(( رواه مسلم )) وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي قال :"أربع من السعادة: المرأة الصالحة و المسكن الواسع والجار الصالح و المركب الهنيء و أربع من الشقاء: المرأة السوء و الجار السوء و المركب السوء و المسكن الضيق " (ابن حبان في صحيحه برقم (4032) وهو صحيح) والرجل والمرأة اللذان لا يعرفان ولا يحددان الهدف من الزواج ؛ فإنهما كذلك لن يعرفا حق كل منهما على الآخر. فعلى الرجل أن له حقوقاً على زوجته والتي منها : (1) طاعة الزوج في غير معصية . (2) حفظ غيبة الزوج في نفسها وماله . (3) أن ترعى ماله وولده وتحافظ عليهما . (4) أن تتزين له وأن تبتسم في وجهه ولا تعبس في وجهه . (5) أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه . (6) أن ترضى باليسير وأن تقنع بالموجود وأن لا تكلفه من النفقة ما لا يطيق . (7) ألا تمنع نفسها منه متى طلبها للفراش . (8) و أن لا تسأل الطلاق من غير بأس . (9) أن تلزم بيته فلا تخرج منه إلا بإذنه ولو إلى المسجد . (10) ومن حق الرجل على المرأة أن لا تأذن في بيته إلا بإذنه . (11) أن لا تنفق شيئاً من بيتها إلا بإذنه. (12) وجوب خدمة المرأة لزوجها. كما أن على المرأة أن تعرف أن لها حقوقاً على زوجها والتي منها: (1) المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق . (2) المهر والنفقة والسكنى. (3) القوامة عليها . (4) حق المبيت والمعاشرة وقضاء الوطر. (5) التأدب في معاملتها وعدم التعرض للوجه بالضرب أو التقبيح. (6) عدم الهجر في غير البيت. (7) مداراتها وملاطفتها. (8) أن يصبر عليها ويتحمل الأذى منها وأن يعفو عن زلاتها . (9) النهي عن التماس عثرات النساء. (10) أن يعين الزوجة في أمور الدنيا والآخرة. (11) أن يحفظها ويصونها عن كل ما يخدش دينها وشرفها . (12) ألا يُفْشِي سِرَها وألا يذكر عيبها . ولا بد أن تكون هناك واقعية في المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات , فليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططاً، وينهكها في تحقيق حقوقه تعباً، بل عليه أن يسلك هدياً قاصداً، ويتغاضى عن بعض حقوقه في سبيل تحقيق المهم منها، إحساناً للعشرة، وتخفيفاً على الزوجة. وكذا حال المرأة مع زوجها لتستديم محبته، وتكسب ثقته ومودته. والواقعية في هذا قد نبه عليها الشاعر بقوله: فسـامح ولا تسـتوف حـقك كلـه* * * وأبـق فلــم يســـتوف قـط كـريم ولا تغل في شـيء من الأمر واقتصد* * * كــلا طـرفي قصــد الأمـور ذميـم وانظر إلى السلف الصالح كيف كانوا يحسمون أمورهم ويحددون أهدافهم من أول ليلة في زواجهم , فيضعون النقاط على الحروف , ويبينون لزوجاتهم ما يحبون وما يكرهون .ومثال ذلك ما رواه شريح القاضي , فقال : خطبتُ امرأة من بني تميم، فلما كان يوم بنائي بها أقبلت نساؤها يهدينها حتى دخلت علي، فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها، فتوضأْتُ فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناحيتها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله وصحبه، أما بعد.. فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك مَنكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكنْ إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله تعالى به (إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)فقلت الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي وأسلم على محمد وآله وصحبه، أما بعد.. فإنك قد قلت كلاماً إن ثبتِّ عليه يكنْ ذلك حظاً لي، وإنْ تدعيه يكن حجةً عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فبثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري، قالت: من تحب مِن جيرانك أن يدخل دارك آذن له، ومَن تكره أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، قال: فبت معها بأنعم ليلة، ومكثت معي حولاً، لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز تأمر وتنهى فقلت: مَن هذه؟ قالوا: فلانة أم حليلتك، قلت: مرحبا وأهلا وسهلا، فلما جلسْتُ أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت: وعليك السلام ومرحبا بك وأهلاً، قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خيرُ زوجة وأوفق قرينة، لقد أدبتِ فأحسنت الأدب، وريضتِ فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً، فقالت: يا أبا أمية، إن المرأة لا يُرى أسوأ حالاً منها في حالتين: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشرّ من الروعاء المد. قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، فمكثَت معي عشرين سنة لم أعب عليها شيء، وكان لي جارٌ يفزع امرأته ويضربها فقلت في ذلك: رأيت رجالاً يضربون نساءهم * * * فشلّت يميني يوم تضرب زينب أأضربها من غير ذنب ٍأتت به ِ * * * فما العدل ُمني ضرب من ليس يذنبِ فزينب شمس ٍوالنساء َكواكب * * * إذا طلعت لم يبد َمنهنّ كوكب (انظر:عشرة النساء للنسائي ج 1 / العقد الفريد 6/92). فلا بد أن تحدد هدفك من الزواج ولا تجعل التوافه تغلبك عن تحقيق هذا الهدف.
شًمًوٌخٌ أًنِسَأِنِ vp
عدد المساهمات : 983
سجل فى : 01/08/2012
01.08.12 13:28
المبحث الثانى: سوءالاختياروانعدام الكفاءة حث الإسلام على حسن الاختيار والكفاءة في الزواج وعنى بذلك الكفاءة في الدين والخلق ، كما قال الله عز وجل:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات:13) وقول الله عز وجل:(الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )(النور:3) وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (البخاري (5090) ومسلم (أخرجه 1466)) وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنهن أن النبي ، قال:"إذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودِينَهُ فَزَوِّجُوهُ"(أخرجه ابن ماجه (1967) والترمذي (1084)) قال رسول الله :"تخيروا لنطفكم ، فانكحوا الأكفاء،وأنكحوا إليهم "(( رواه الألباني في صحيحه برقم 1067)) قال ابن حجر:" واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر أصلاً"(( فتح الباري 9/1329)) وقال ابن القيم:" والذي يقتضيه الحكم اعتبار الدين في الكفاءة أصلاً وكمالاً فلا تزوج عفيفة لفاجر ولم يعتد القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك "(( زاد الميعاد 5/159).) . فهذه هي الكفاءة الحقيقية ، أما ما عدا ذلك من أمر الصناعة أو النسب، أو الحرية، أو الغنى، فهذا كله لا اعتبار له بميزان الله سبحانه وتعالى، ورسوله . وحينما حث الإسلام على الاختيار على أساس الدين والخلق وطيب الأصل والمنبت , فلأن صاحب الدين والأصل الطيب أعون على استدامة الحياة الزوجية و أقرب إلى طيب العشرة فلا يصدر منه إلا العشرة الكريمة و الحياة الطيبة و إذا أحب أكرم و إذا أبغض لا يظلم . قال رجل للحسن البصري:إن لي بنتا وإنها تُخطب ،فممن أزوجها ؟ فقال زوجها ممن يتقي الله فان أحبها أكرمها وان ابغضها لم يظلمها(الغزالي : إحياء علوم الدين 2/14).). ولما أراد نوح بن مريم أن يزوج ابنته واستشار جاراً له مجوسياً،فقال المجوسي سبحان الله ! الناس يستفتونك وأنت تستفتيني ، قال لا بد أن تشير علي ، فقال : إن رئيس الفرس {كسرى } كان يختار المال ، ورئيس الروم { قيصر } كان يختار الجمال ،ورئيس العرب كان يختار الحسب ، ورئيسكم محمد كان يختار الدين ، فانظر لنفسك بمن تقتدي(الزمخشري : ربيع الأبرار1/469).) ومثال ذلك ما قالته العاقلة الرزان الحصان ، أم سليم ( الرميصاء بنت ملحان ) حينما خطبها أبو طلحة الأنصاري ؟ فقالت له : إن مثلك يا أبا طلحة لا يُرَدُّ ، لكنني لن أتزوجك وأنت رجل كافر ، أيْ أنت من حيث الصفات ممتاز ، شهم ، شجاع ، فارس ، لك مكانة علية في قومك هذا كله كلام طيب .. إن مثلك لا يُرد ، ولكنني لن أتزوجك وأنت رجل كافر ، فظن أبو طلحة أن أم سليم تتعلل عليه بذلك ، وأنها قد آثرت عليه رجلاً آخر أكثر منه مالاً أو أعز ونفراً ، فقدْ أساء ظنًّا حين اعتقد أنّ خاطبًا أغنى منه قد سبقه إلى أم سليم ، فتعللت بموضوع الكفر كي تنسحب منه ، وتتزوج ذلك الأغنى .فقال : والله ، ما هذا الذي يمنعك مني يا أم سليم قالت ما الذي يمنعني إذاً ؟ قال : الأصفر والأبيض ، الذهب والفضة ، هذا سوء ظن محض .قالت : الذهب والفضة !!.قال : نعم .قالت : بل إني أشهدك يا أبا طلحة ، وأشهد الله ورسوله أنك إن أسلمتَ رضيتُ بك زوجاً من غير ذهب ولا فضة ، وجعلتُ إسلامك لي مهراً .. فما دمتَ تقول : إنني آثرتُ عليك رجلاً أغنى منك ، فأنا أشهِد الله ، وأشهِدك أنك إذا أسلمتَ فلن آخذ منك شيئًا ، مهري هو إسلامك ، هكذا كان الصحابة .أنا أقول لكم هذه الكلمات : لو أن الإسلام الذي نحن عليه هو الذي كان على عهد النبي، واللِه الذي لا إله إلا هو ما خرج الإسلام من مكة المكرمة إلى المدينة ، ولمَا وصل إلى مشارق الأرض ومغاربها إلا بعدما أظهر الصحابة الكرام من المواقف البطولية ما يعجز عن إدراكه البشر .قالت : له أشهد الله ، وأشهدك يا أبا طلحة ، أنك إن أسلمت لا آخذ منك شيئاً لا أصفر ولا أبيض ، وأن مهري هو إسلامك .وما إن سمع أبو طلحة كلام أم سُليم حتى صرف ذهنه إلى صنمه الذي اتخذه من نفيس الخشب وخص به نفسه كما يفعل السادة من قومه .. عنده صنم من خشب محفور مرتب هو إلهه ، لكن أم سليم أرادت أن تطرق الحديد وهو ما زال حامياً ، فقالت له : ألست تعلم يا أبا طلحة أن إلهك الذي تعبده من دون الله قد نبت من الأرض ..قال : بلى ، قالت : أفلا تشعر بالخجل ، وأنت تعبد جذع شجرة جعلت بعضه لك إلهاً ، بينما جعل غيرك بعضه الآخر وقوداً به يصطلي ، فأنت جعلته صنماً تعبده من دون الله ، وغيرك جعله حطباً يصطلي به في الشتاء إنك إن أسلمت يا أبا طلحة رضيت بك زوجاً ولا أريد منك صداقاً غير الإسلام .قال لها : ومن لي بالإسلام ؟ قالت : أنا لك به ، قال وكيف ؟ قالت : تنطق بكلمة الحق ، فتشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، ثم تمضي إلى بيتك ، وتحطم صنمك ، فانطلقتْ أسارير أبي طلحة ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله .. ثم تزوج مِن أمّ سليم ، فكان المسلمون يقولون : ما سمعنا بمهر قط كان أكرمَ من مهر أم سليم ، فقد جعلت صداقها الإسلام (( انظر القصة في : النسائي في سننه ج 6/ ص 114 حديث رقم: 3341 صحيح أحكام الجنائز للألباني( 24 - 26 ).) لكن لكل من الزوجين وأولياء الزوجة الحق باختيار من يناسبها ويساويها وتحسن معه العشرة وتتحقق معه دواعي الاستقرار والانسجام في الأسرة وتجنب دواعي الشِقاق والضرر والتنغيص لكنها إن تنازلت عمّن يناسبها من حيث الحسب والصنعة والسن والتعليم والمال ونحو ذلك فزواجها صحيح لا شيء فيه . وان كان من الأفضل والأولى أن يكون هناك تقارب بين الزوجين في الحسب والسن والثقافة حتى لا تكون هناك فجوة بينهما , قد تكون سبباً في النزاع والشقاق . فمما يندى له الجبين أن نجد ولي المرأة يحملها على الزواج من رجلٍ طاعنٍ في السن وليس بينها وبينه أي تكافؤ من أي ناحية فكأنما يذبحها بغير سكين ، أو يبيعها في أسواق النخاسة. وبعضهم يزوجها لم يدفع أكثر , حتى لو كان هذا الزوج سكيراً عربيدً . فلا ينبغي للمسلم أن يُزوج موليته الصالحة من رجل فاسق فقد قال تعالي :( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )(النور/ 26) وليختر كل من الزوجين كفؤه وما يشاكله , ومن هنا فقد قال النبي لجابر بن عبد الله الأنصاري وقد نكح ثيبا" هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك "(متفق عليه). وعنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللهِ :"لاَ تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ ، وَلاَ تَزَوَّجًوهُنَّ لأَمْوَالِهِنَّ ، فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ ، وَلأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ ، أَفْضَلُ"(أخرجه عبد بن حُميد (328)و أخرجه ابن ماجه (1/597 ، رقم 1859)) فانعدام الكفاءة يؤدي إلى الجفاء والغلظة وقد يتعالى أحدهما على الآخر بماله أو حسبه أو بسنه أو بمستوى تعليمه ؛ مما يؤدي إلى التنافر والتباعد . فيا أيها المقبل على الزواج أحسن الاختيار ابتداء تحصل على الراحة والسعادة انتهاء .
شًمًوٌخٌ أًنِسَأِنِ vp
عدد المساهمات : 983
سجل فى : 01/08/2012
01.08.12 13:29
المبحث الثالث:عدم وجودآلية للتفاهم بين الزوجين لا تخلو أي أسرة من مشكلات وسوء تفاهم من كلاالطرفين لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة , وقد تؤدي هذه المشكلات إلي تفكك الأسرةوانفراط عقدها , ولكن إذا تم تشخيص الداء سهل وصف الدواء . والتفاهم بين الزوجينلاشك يؤدي إلي استقرار الحياة الزوجية واستئصال المشكلة من جذورها قبل أن تقع , لذاوجب علي الزوجين المصارحة والوضوح وإفضاء كل شريك لشريكه عما بصدره , ما يقلقه وما يزعجه وما يفرحه وما يحزنه. هذا إن كانا يريدان للحياة أن تستقر ولسفينة الحياة أن تسير , هذا نوع من العشرة بالمعروف أن يحترم كل شريك شريكةيحترم صمته وحديثه بل و يحسن الاستماع والإصغاء لكل ما يقول ولا يسفه له رأياً . يحترم مشاعره ولا يكثر من اللوم و العتاب و النصح , فاللوم لا يأتي بنتائج ايجابيةفي الغالب و كثرة العتاب يحطم كبرياء النفس كما أن كثرة التجريح والتوبيخ يكسرالنفس و يجعل كل شريك يفتش عن عيوب شريكة و تَصِيٌد أخطاءه. وعلى الزوجين أن يتفقا من البداية على وضع آلية لحسم الخلاف فعدم وجود آلية للتفاهم بين الزوجين يؤدي إلى تفاقم الخلاف واشتداد التنافر , وتباعد كل منهما عن الأخر . وهذه الآلية لابد أن تقوم علي هذه المبادئ : 1- الزوجان ليسا معصومين من الخطأ , فلا بد أن يقع من الزوج هفوات وأخطاء ، والزوجة كذلك، وكثير من الرجال لا يعترف بهفوته وزلته، ويعظم زلة زوجته ولو صغرت، والمقام ليس مقام تجريح أو تأنيب؛ وإنما هو سبيل المسامحة والملاينة ، ما دام أن الأمر ليس فيه تهاون في حق الله أو حق الزوج . قال أبو الدرداء :"إذارأيتنيغضبافرضنيوإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب"وحكى ( البيهقي في الشعب ) أن أسماء بنت خارجة الفزاري لما أراد إهداء ابنته إلى زوجها قال لها : يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً ولا تدني منه يملك ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه وكوني كما قلت لأمك . 2- القوامة في البيت للرجل , فعلى المرأة أن لا تعامله معاملة الند أو الخصم , فقالتعالى : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُبَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُقَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله "((النساء 34)). قال ابنجرير الطبري : نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع وامرأته حبيبة بنت زيد ، وذلك أنهانشزت عليه فلطمها ، فأنطلق أبوها معها إلى رسول الله فقال : أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال النبي : " لتقتص من زوجها " فانصرفتمع أبيها لتقتص منه ، فقال النبي : " ارجعوا هذا جبريل أتاني ،وانزل الله : " الرجال قوامون على النساء " الآية فقال " أردناأمرا وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير " ورفع القصاص(( تفسير الطبري :5/58).). 3- على الزوجين أن يضعا كل مشكلة في حجمها الحقيقي , وأن لا يضخما التافه , ولا يكبرا الصغير , وأن لا يجعلا الخلافات تتراكم بل لا بد أن يصفيا خلافهما يوما بيوم , ولا تبيت المشكلة إلى الصباح , لأنها لن تصبح مشكلة واحدة بل أكثر من مشكلة. قال الشافعي رحمه الله : وعين الرضا عن كل عيب كليلة* * *ولكن عين السخط تبدي المساويا ولست بهياب لمـن لا يهابنـي * * * ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا فإن تدن مني تدن منك مودتـي* * * وإن تنأ عني تلقني عنك نائيـاً كلانا غني عـن أخيـه حياتـه * * * ونحـن إذا متنـا أشـد تغانيـا كما أن على الزوج أن يتذكر قول الله تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)((النساء: 19).). وقول النبي عليه الصلاة والسلام:"خيرُكم خيرُكُم لأهله، وأنا خيركم لأهله"(( رواه الترمذي (3895) وقال: حسن غريب صحيح، قال الألباني (الصحيحة 285): وإسناده صحيح على شرط الشيخين وابن حبان) .).
شًمًوٌخٌ أًنِسَأِنِ vp
عدد المساهمات : 983
سجل فى : 01/08/2012
01.08.12 13:30
روي أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على بابعمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لايرد عليها فانصرف الرجل راجعاً وقال : إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابتهوهو أمير المؤمنين فكيف حالي ؟ فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه وقالما حاجتك يا رجل فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتيواستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنينمع زوجته فكيف حالي فقال: عمر يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنهاطبَّاخة لطعامي خبَّازة لخبزي غسَّالة لثيابي مُرْضِعة لولدي وليس ذلك كله بواجبعليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل: يا أميرالمؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة(النسائي : عشرة النساء 1/28).). قال الشاعر:
والعيش ليس يطيب من * * * إلفين من غير اتفاق 4- الزوجة هي الصدر الحنون وموطن الحنان والرحمة , ومن طباع الرجل أنه لا يحب من زوجته أن ترفع صوتها عليه , فإذا ما غضب الزوج فما عليه إلا أن تسكت عنه حتى يذهب عنه غضبه ثم تناقشه بهدوء في أسباب الخلاف والسبيل إلى حله . قال :"ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العؤود، التي إذا ظلمت قالت: هذه يدي في يدك، لا أذوق غمضاً حتى ترضى" (رواه الدار قطني والطبراني وحسنه الألباني) عن عائشة رضي الله عنها قالت:قال لي رسول الله :(إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى)قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال:(أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم) قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك(( متفق عليه )) وقال الشافعي :
خذي العفـو مني تسـتديمي مَوَدَتِي* * * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب ولا تنقـريني نقرك الدف مــــرةً* * * فإنك لا تدرين كيـــــف المُغَيَبُ ولا تكثـري الشـكوى فتذهب بالهوى* * * ويأباك قلبـي والقلــــوبُ تُقَلَّبُ فإني وجدت الحـب في القلب والأذى* * * إذا اجتمــعا لم يلبث الحبيذهبُ
والزوجة العاقلة لا تعدم الوسيلة لترويض زوجها , مهما كان جموحه وجنوحه , رووا أن امرأة في إحدى القرى لأحد العلماء وهي تظنه ساحرا وطلبت منه أن يعمل لها عملا سحريا بحيث يحبها زوجها حبا لا يرى معه أحد من نساء العالم. ولأنه عالم ومرب قال لها إنك تطلبين شيئا ليس بسهل لقد طلبت شيئا عظيما فهل أنت مستعدة لتحمل التكاليف؟ قالت : نعم قال لها : إن الأمر لا يتم إلا إذا أحضرت شعرة من رقبة الأسد .قالت: الأسد ؟ قال : نعم قالت : كيف أستطيع ذلك والأسد حيوان مفترس ولا أضمن أن يقتلني أليس هناك طريقة أسهل وأكثر أمنا ؟ قال لها : لا يمكن أن يتم لك ما تريدين من محبة الزوج إلا بهذا وإذا فكرت ستجدين الطريقة المناسبة لتحقيق الهدف .ذهبت المرأة وهي تضرب أخماس بأسداس تفكر في كيفية الحصول على الشعرة المطلوبة فاستشارت من تثق بحكمته فقيل لها أن الأسد لا يفترس إلا إذا جاع وعليها أن تشبعه حتى تأمن شره .أخذت بالنصيحة وذهبت إلى الغابة القريبة منهم وبدأت ترمي للأسد قطع اللحم وتبتعد واستمرت في إلقاء اللحم إلى أن ألفت الأسد وألفها مع الزمن. وفي كل مرة كانت تقترب منه قليلا إلى أن جاء اليوم الذي تمدد الأسد بجانبها وهو لا يشك في محبتها له فوضعت يدها على رأسه وأخذت تمسح بها على شعره ورقبته بكل حنان وبينما الأسد في هذا الاستمتاع والاسترخاء لم يكن من الصعب أن تأخذ المرأة الشعرة بكل هدوء وما إن أحست بتمكلها للشعرة حتى أسرعت للعالم الذي تظنه ساحرا لتعطيه إياها والفرحة تملأ نفسها بأنها الملاك الذي سيتربع على قلب زوجها وإلى الأبد. فلما رأى العالم الشعرة سألها: ماذا فعلت حتى استطعت أن تحصلي على هذه الشعرة؟ فشرحت له خطة ترويض الأسد، والتي تلخصت في معرفة المدخل لقلب الأسد أولا وهو البطن ثم الاستمرار والصبر على ذلك إلى أن يحين وقت قطف الثمرة حينها قال لها العالم : يا أمة الله . زوجك ليس أكثر شراسة من الأسد افعلي مع زوجك مثل ما فعلت مع الأسد تملكيه. تعرفي على المدخل لقلبه وأشبعي جوعته تأسريه وضعي الخطة لذلك واصبري . 5- على الزوج – كذلك – أن يتفهم طبيعة المرأة من جيشان عاطفتها , وتسرعها في الحكم على الأشياء على خلاف الرجل . قال النبي : "ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا لم يا رسول الله قال لكفرهن قيل أيكفرن بالله قال ويكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط " ((مالك في الموطأ ج 1/ 187 حديث رقم: 445)) روى أن المعتمد بن عباد وكان ملكا من ملوك الطوائف اشترى جارية تسمى الرميكية وهي أمّ أولاده والملقّبة باعتماد، روي أنّها رأت ذات يوم بأشبيلية نساء البادية يبعن اللبن في القرب وهنّ رافعات عن سوقهنّ في الطين، فقالت له: أشتهي أن أفعل أنا وجواريّ مثل هؤلاء النساء، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّر الجميع طيناً في القصر، وجعل لها قرباً وحبالاً من إبريسم، وخرجت هي وجواريها تخوض في ذلك الطين، فيقال: إنّه لمّا خلع وكانت تتكلّم معه مرّة فجرى بينهما ما يجري بين الزوجين، فقالت له: والله ما رأيت منك خيراً، فقال لها: ولا يوم الطين؟ تذكيراً لها بهذا اليوم الذي أباد فيه من الأموال مالا يعلمه إلاّ الله تعالى، فاستحيت وسكتت ((أحمد بن المقري التلمساني : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 1/440).). 6- إذا اشتد الخلاف ووصل إلى مرحلة النشوز , فقد علمنا القرآن الكريم كيف يتعامل الزوج مع الزوجة الناشز فقال عز من قائل : " وَاللاَّتِي تَخَافُونَنُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْأَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياًّكَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْأَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُبَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً "((النساء 34 ، 35) . فهناك مراحل يجب أن يتبعها الزوج في علاج الزوجة التي تمردت على الحياة الزوجية دونما سبب واضح , وهذه المراحل هي : (1) النصح والإرشاد ، حيث يلفت الزوج نظر زوجته إلى خطئها ، ويبين لها الصواب ،بالقول اللين ، والوعظ الحسن . (2) الهجر في المضاجع أي يترك الجماع ، مع الصد والإعراض ، قال ابن عباس يوليها ظهرهولا يجامعها ، وقد هجر رسول الله نساءه شهرا حتى شاع في المدينة أنه طلقهن . (3) الضرب الخفيف [ غير المُبَرِّح ] ، فان لم ترتدع الزوجة بالموعظة ولا بالهجران فله أن يؤدبها بالضربغير المبرح ضربا رقيقا رحيما يؤدب ولا يحطم ، : " وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْأَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياًّكَبِيرا"ً (النساء /34) وعلى الزوج أن يفهم أن الإسلام قد وضع قيودا وضوابط لهذا العلاج حتى ربطبين الضرب وبين الإتيان بقبائح الأفعال كالفاحشة كما في حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت أن النبي قال :«ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن»(( رواه الترمذي وابن ماجه )) وقال ابن حجر : " إن كان لابد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفورالتام ، فان اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ، ومهما كان الوصول إلى الغرض بالإيهاملا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة فيالزوجة إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله تعالى " (( فتح الباري :9/204)) (4)إذا اشتد الخلاف وعجزت كل الطرق السابقة في العلاج فعلى الحاكمإن يختار حكمين عدلين واحدا من أقرباء الزوجة والثاني من أقرباء الزوج ليبحثا فيموضوع الخلاف ويحاولا الإصلاح بين الزوجين بالطرق الحكيمة " وَإِنْخِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْأَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَكَانَ عَلِيماً خَبِيراً "(النساء /35) (5) إذا اتسعت الفجوة بين الزوجين ويقع ما تستحيل معه العشرة وترتفع الألفة والمودة فيلجأإلى الطلاق ، وأخر الداء الكي كالذي جاء إلى رسول الله فقاليا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس فقال طلقها(رواه النسائي 6/170) وفي كل الأحوال ما على الزوج إلا أن يتحلى بالتروي والحكمة فالحياة الزوجية ليست كلها خيالات وأحلام , وليست كلها ورد كما يفهما البعض , بل فيها الورد وفيها الشوك , والعاقل هو من يأخذها جملة بحلوها ومرها . روى أنس رضي الله عنه قال : " كان النبي عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول غارت أمكم ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت"((رواه البخاري ). وحكي أن بعض الصالحين كان له أخ في الله وكان من الصالحين ، وكان يزوره في كل سنة مرة فجاء لزيارته فطرق الباب فقالت امرأته من ؟ فقال أخو زوجك في الله جئت لزيارته ، فقالت راح يحتطب لا رَدَهُ الله ولا سَلَمَه وفَعَل به وفعل وجعلت تذمذم عليه ، فبينما هو واقف على الباب وإذا بأخيه قد أقبل من نحو الجبل وقد حمل حزمة الحطب على ظهر أسد وهو يسوقه بين يديه فجاء فسلم على أخيه ورحب به ودخل المنزل وأدخل الحطب وقال للأسد اذهب بارك الله فيك ثم أدخل أخاه والمرأة على حالها تذمذم وتأخذ بلسانها وزوجها لا يرد عليها فأكل مع أخيه شيئا ثم ودعه وانصرف وهو متعجب من صبر أخيه على تلك المرأة قال فلما كان العام الثاني جاء أخوه لزيارته على عادته فطرق الباب فقالت امرأته : من بالباب ؟ قال أخو زوجك فلان في الله ، فقالت مرحبا بك وأهلا وسهلا اجلس فإنه سيأتي إن شاء الله بخير وعافية ، قال فتعجب من لطف كلامها وأدبها ، إذ جاء أخوه وهو يحمل الحطب على ظهره فتعجب أيضا لذلك فجاء فسلم عليه ودخل الدار وأدخله وأحضرت المرأة طعاما لهما وجعلت تدعو لهما بكلام لطيف ، فلما أراد أن يفارقه قال يا أخي أخبرني عما أريد أن أسألك عنه ؟ قال وما هو يا أخي ؟ قال عام أول أتيتك فسمعت كلام امرأة بذيئة اللسان قليلة الأدب تذم كثيرا ورأيتك قد أتيت من نحو الجبل والحطب على ظهر الأسد وهو مسخر بين يديك ؟ ورأيت العام كلام المرأة لطيفا لا تذمذم ورأيتك قد أتيت بالحطب على ظهرك فما السبب قال يا أخي توفيت تلك المرأة الشرسة وكنت صابرا على خلقها وما يبدو منها كنت معها في تعب وأنا أحتملها فكأن الله قد سخر لي الأسد الذي رأيت يحمل عني الحطب بصبري عليها واحتمالي لها فلما توفيت تزوجت هذه المرأة الصالحة وأنا في راحة معها فانقطع عني الأسد فاحتجت أن أحمل الحطب على ظهري لأجل راحتي مع هذه المرأة المباركة الطائعة (الذهبي : الكبائر 172) فما عليكما أيها الزوجان الحبيبان إلا أن تتحملا فضغوط الحياة فكثيرة , والحياة كلها عمرها قصير , وحال سوف يحول , وظل سوف يزول , فهي أهون من أن نضيعها في قيل وقال , وفي خصام وهجران . : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (سورة النساء: 19) ورحم الله القائل :
عسى ما ترى ألا يدوم وإن ترى *** له فرجا مما ألح به الدهر عسى فرج يأتي به الله إنه *** له كل يوم في خليقته أمر إذا لاح عسر فارتج اليسر إنه *** قضى الله أن العسر يتبعه اليسر