يهل شهر رمضان المبارك على أمة الإسلام في كل مكان، وتهلُّ معه نفحات الأجر والمثوبة لمن يلتمس فرص الخير ممن تعتلج في صدورهم بذرة الخير استجابة لداعي الله حيث ينادى فيه: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"، فيتأهب الكون للوقوف على العتبات الروحانية الرحبة في مدارات الرحمة والبركة، والمغفرة والأمن والأمان، وتتأهب الدنيا لتنال من النفحات الربانية ما يقيها حرَّ لظى، وشر سقر {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ}1.
وفي مكان ما على وجه البسيطة تأهبٌ من نوع آخر أربابه شياطين الإنس من أصحاب الفضائيات، يتأهبون في التحضيرات السنوية الهائلة من عام إلى عام لصرف القلوب المؤمنة إلى زغب فضائيات البث المباشر، فما يكاد يقترب رجب وأخوه شعبان حتى تنفرد وسائل الإعلام في مهمات التبشير بالأعمال الإعلامية الجديدة التي توصف بأنها أعمال رمضانية، وهي ألعن ما تكون على الصائمين والصائمات في هذا الشهر.
يحشدون لرمضان كل فيلم خليع، وكل مسلسل وضيع، وكل غناء ماجن مريع، ويعرضونه على المسلمين في أيام وليالي رمضان؛ لأن رمضان كريم كما يعلنون، ولسان حالهم يقول: شهر رمضان الذي أنزلت فيه الفوازير والمسلسلات!!
ولأن مردة شياطين الجن تصفد وتغلُّ حينها بالأغلال وتقيد؛ عزَّ على إخوانهم من شياطين الإنس الذين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون؛ عزَّ عليهم ذلك فناوؤا دين الله - تعالى -، وناصبوه العداء، وأعلنوا الحرب ضده في رمضان بما يبثونه ليل نهار على مدار الساعة على كثير من الشبكات الأرضية والفضائية!
وإذا أردت أن تبكي فاذرف الدمع مدراراً، وأجرِ الحزن أنهاراً؛ على الإعلانات التي تدعوك عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى الاستمتاع بتناول السحور، والتلذذ بمذاق الشيشة - النارجيلة - على أنغام المطرب فلان، ورقصات الفنانة فلانة، وفرقة كذا في الخيمة الرمضانية بمكان كذا.
يريدون أن يفرغوا رمضان من محتواه الحقيقي ليتحوَّل إلى موسم للفجور، وصدق الله: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً}2.
على الهواء مباشرة:
"في رمضان تظهر إحدى الفنانات بعد الإفطار، فتسألها مقدمة البرنامج: كيف وصلت إلى ما وصلت له من مجد؟، فتقول: أنا هربت من أسرتي وعمري اثنا عشر عاماً، ومارست حياتي حتى وصلت إلى الشهرة!.
وفي برنامج آخر في شهر رمضان سئلت إحدى الفنانات عن زواجاتها؟ فقالت: أربع مرات رسمياً، أمَّا العرفي فكثير لا أعرف له عدداً، ولما سئلت: هل العيب في الرجال؟ قالت - بكل جرأة -: لا العيب في نظام الزواج؛ لأنَّه نظام بالٍ ومتخلِّف عفاه الزمن.
وإذا نظرت فيما يسمى بالمسلسلات الدينية أو التاريخية؛ وجدت فنَّانين وفنَّانات عُرف عنهم الفسق وقلَّة الحياء؛ يقومون بتمثيل أدوار خير الناس من الصحابة أو التابعين في تشويه صارخ لتاريخ قدوات الأمة من سلفها وعلمائها.
أما قنوات الرقص والغناء - الفيديو كليب - فحدث عن الرقص الماجن، والكلام الفاحش، والقبلات المحرمة، مع ما يصاحبها في الشريط المتحرك من رسائل الشباب والفتيات، وما فيها من الكلمات الداعية للفاحشة، ولمزيد الاستخفاف تموج الشاشة في زاويتها بعبارة - رمضان كريم أو رمضان مبارك -، فأين الكرم وأين البركة؟ وكل هذا يحدث في رمضان دون خوف أو حياء من الديان"3.
احذروها:
كم من بيوت للمسلمين أسست على التقوى؛ انقلبت بين عشية وضحاها أطلالاً خربة خاوية من كل المعاني السامية، والقيم النبيلة، والسبب هذه الفضائيات، وكم وكم وكم...
فكيف ينقذ المسلمون شهرهم من عدوان المعتدين، ويخلصونه من أدران هذا الغثاء والمصاب الجلل؟ وكيف يحررون فيه أنفسهم من ربقة هذه العبودية المادية ليُصَفُّوا دينهم لله - عز وجل -؟
إن المسئولية تقع على أكتاف كل مكلف حي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً، يدفع غثاء هذه الفضائيات بكل ما أوتي من قوة وملكة، وكل من مجاله وحسب إمكانياته بـ"كلمة، شريط، مطوية، رسالة، بمنع وإيقاف..." المهم أن تستخدم أي وسيلة، وكلما كانت الوسيلة مجدية كلما كان القيام بها أفضل.
إخواني أخواتي: لا نجعل فرحتنا برمضان سرعان ما تغتال على أيدي أرباب هذه الفضائيات بتلك المخازي والمهازل التي دأبت قنواتهم الفاسدة على بثها طيلة الشهر الكريم دون خوف أو وجل من الله - تعالى -، فلنكن حصوناً منيعة، وقلاعاً عتيدة، حائلين دون مآربهم وأطماعهم الخسيسة والوضعية.
وقبل الختام "لا تظلمون ولا تظلمون":
من صميم الحق القول أن هناك فضائيات محافظة قامت على أسس قويمة من مراد الشريعة خاصة في السنوات الأخيرة، دأبت على مقارعة هذه الفضائيات الماجنة، فإن كان ولا بد من مشاهدةٍ فالزم غرزها، ولكن إياك أن تشغلك عما هو أسمى لك وأنفع، نسأل الله أن يوفق القائمين عليها لكل ما يحبه ويرضاه.